الاثنين، 30 نوفمبر 2009

الانتخابات


إذا سألت كل الإخوان فى كلية تجارة : ما هى أفضل سنة فى عمرك بالكلية سيخبرك المعظم أنها السنة الأولى وقبل أن يُحمل الأخ بأيه أعباء أو مسئوليات رسمية .

***


اذكر أننى فى أحد أيام الإعتصام عند مكتب العميد قد نُحر صوتى من كثرة الهتاف وجاء ( زارع ) يطمئن على قبل انصرافى فى نهاية اليوم وقد رق لى عندما سمع صوتى هكذا الا أننى كنت فى غاية السعادة والحماس ... عائدا إلى البيت طالبا من الله أن يتقبل العمل ... لا أشعر بأى هموم ... لا تقلق بالى أيه مشاكل ... أشعر بحب واخوة وترابط مع إخوانى فى الكلية وما أكثرهم وما أعظمهم ... احاول الإرتقاء بعلاقتى بالله عز وجل والإستعداد لأى شئ يأمر به اخوانى ... ولهذا أعتبرها أسعد أيامى فى الكلية .

وفى تلك الفترة - منتصف الترم الثانى تقريبا - بدأ الاخوة فى التركيز على محاضرات الإخلاص والتجرد وقد بذلوا جهدا كبيرا فى هذا ( ووالله انى لأذكر محاضرة ( م . درويش ) إلى الآن ) .

وكانت السنة الأولى التى تحدث فيها انتخابات - وكان هذا قرار استرتيجى من الجماعة - أما قبل هذا فكان الإختيار يتم عن طريق الشورى من المستوى الإدارى الأعلى إلى الأدنى ... وعلمت بأمر الانتخابات فى يومها صباحا ولم أكن أعلم أن هذا سيحدث من الأصل ولم أتخيل أن تتركنا مجموعة العمل وحدنا ... بل لم أكن على علم بشكل الانتخابات والمسئوليات ولكنى لم أكترث لهذا الأمر نظرا لأن عدد الاخوة فى مجموعتى كبير وهم أقدم منى فى الاخوان بكثير وأنا أقلهم خبرة بالاخوان والعمل الدعوى كما أن مجموعتنا كانت تضم ( إ . أبو الفتوح ) وهو أكثر أفراد الدفعة تميزا وخبرة وعملا أيضا وقد كان أكبر سنا من معظم أفراد مجموعة العمل أنفسهم ولذا فقد كنت مطمئنا تماما أنه لن يتم اختيارى ولأننى حقا لا أستطيع أن أكون فى أى موقع قيادى لحداثة عهدى بالاخوان وقد كان كل ما أملكه فى هذا الوقت حماس واستعداد للعمل والتعلم فقط .

***


وبعد مجلس طويل تحت أشعة الشمس الحارقة وبعد ذكر أحاديث الاخلاص والتجرد لله عز وجل حتى صار كل منا يمقت المسئولية والقيادة حقا .. تم إجراء الانتخابات .
وحدث ما توقعت بالفعل فكان ( أ . قنديل ) مسئول مجموعة ( أ ) وقد كانت أكبر المجموعات عددا و ( ع . السباعى ) مسئول ( ب )
و( م . ربيع ) مسئول ( ج ) وقد كان بها اثنان فقط و ( ا . أبو الفتوح ) مسئول ( د ) وكانت ثانى مجموعة من حيث العدد و ( جهاد ) مسئول ( هـ ) و ( ياسر ) مسئول ( و ) بالتزكية حيث لم يكن بالمجموعة غيره ... وهكذا تكون مجلس الدفعة ثم حان وقت انتخاب مسئول الدفعة ولا يُشترط أن يكون من المجلس بل يتم اختياره من الدفعة كلها ... وأخذنا الورق وتم الانتخاب وأصبح ( ا . أبو الفتوح ) مسئول الدفعة و ( أ . قنديل ) نائب مسئول الدفعة .

وهنا ... وجب اعادة الانتخاب فى مجموعة ( د ) نتيجة صعود ( ا . أبو الفتوح ) لمسئولية الدفعة وتم توزيع الورق على أفراد المجموعة وجاء ( ح . زارع ) - مسئول مجموعة العمل - وأخذ ورقة وكتب فيها اسما ووضعها ثم أخذ الورق إلى لجنة الفرز ... وبعدها وقع على الخبر كالصاعقة بل كألف صاعقة ... لقد شاء الله وانتخبنى الاخوة مسئولا لمجموعة ( د ) .


الخميس، 19 نوفمبر 2009

عميد الكلية






بعد فترة من الفصل الدراسى الثانى كنت قد اندمجت فى العمل والدعوة مع الاخوة واعتبرنى الاخوة ( اخا ) فى هذا الوقت ... ولكن كان تعلقى الأكبر باخوة مجموعة العمل - وبالتحديد ( أ . زيدان ) وقد كان مسئول مجموع ( أ ) وقد كنت فى مجموعة ( د ) و (حاتم ) - وبالاخوة الأكبر سناً .

***

وكان هناك معرض إسلامى يقوم به أفراد دفعة الفرقة الثانية وقد كانت فى هذا الوقت دفعة قوية وبها العديد من الكوادر المتميزين .

وفجأة ... نزل عميد الكلية إلى الساحة وطلب ( كارنيهات ) اثنان من الاخوة القائمين على المعرض ( أ . توفيق ) ( شرقاوى ) ... وللأسف أعطاه الاخوة ( الكارنيهات ) بكل سهولة وربما كان هذا لعدم إلمامهم بكيفية التصرف فى مثل هذا الموقف وهو (رفض اعطائها ) ... وكما قلت من قبل أننا كنا فى فترة قوة وعزة تجعل حدوث مثل هذا الأمر أمرا خطيرا ويحتاج إلى رد قوى حاسم ...



وكان مسئول الكلية فى هذا العام هو ( م . درويش ) وهو رجل كالمؤسسة الشاملة .. فهو من النوع الثورى الذى يُغضبه أمر كهذا بشدة وهو أيضا عاقل وحكيم ويجيد تقييم المواقف قبل اتخاذ القرار وهو أيضا مُربى رائع وإذا تكلم أنصت له الناس كما أن له حجة قوية راسخة .. وقد كان فى الفرقة الرابعة حينذاك .

وأنا لا أعلم كيف دار النقاش فى هذا الموقف ولكن القرار النهائى كان أن تجمع كل الاخوة أمام مكتب العميد اعتراضا على ما فعله وقد كان صوت الهتاف يرج المبنى كله ولم يستطع العميد الخروج للمناقشة ولم نقم بأى أفعال خاطئة أو تخريبية وقد كان هذا ممكنا ... بل كان بإمكاننا اقتحام مكتب العميد نفسه وقد جال هذا بخاطرى ... ولكن هذا التغيير بالقوة ليس اسلوبنا مع المسلمين وكما أنه لن يحل أى مشاكل ولكنه اعتراض سلمى قوى ومع ذلك يلقى الرعب فى قلوب الظالمين لرؤيتهم العمل المنظم والحماس الشديد فى مواجهه الظلم والقائم فى الأساس على تربية عميقة لا تجعل للنفس حظا من العمل ... وقد استمر هذا على مدار ثلاثة أيام متصلة ... كل يوم كنا نعتصم أمام مكتب العميد اعتراضا ...

وقد يسئل أحد الناس : ماذا فعلت هذه المظاهرات وأيه أهداف حقق هذا الإعتصام ... وأنا أقول أن ما فعلناه حقق أهدافاَ كثيرة وهى ..

أولا : أننا قمنا بتطبيق جزء من الدين فى هذا الموقف برفضنا واعتراضنا للظلم الذى وقع ولم نفعل فعل بنى إسرائيل ... كما أن رسولنا الكريم ( ص ) قال : أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر .

ثانيا : بعد إنتهاء تلك الأيام زادت قوتنا الكامنة أو القوة الناعمة .. والقوة الناعمة هى مصطلح سياسى وهو يعنى تأثير الدولة خارج حدودها الإقليمية ... فقد وصلت الرسالة واضحة تماما ... إذا تكرر هذا الأمر ثانية سنكرر هذا الرد وسنرفض هذا الظلم ... ولقد حدث هذا بالفعل فالعميد ولاإدارة لن تتحمل مثل هذا الأمر وانهم يريدون خاضعين أذلاء ... وهذا بالتأكيد أدى إلى عدم تكرار الامر أبدا من قبل الإدارة بل وزيادة الاحترام والتقدير لطلاب الاخوان وخصوصا من أفراد حرس الجامعة وكما ساذكر بالتفصيل ان شاء الله .

على أنى أقول أن هذا لا يطبق فى كل المراحل وفى كل الكليات دون ادراك للعواقب وطبيعة المرحلة التى تمر بها الكلية وعلاقتها بالأمن والادارة .

وفى تلك الأيام أيضأ تعرفت على موهبة جديدة عندنا وهو الأخ ( م . الحينى ) وقد كان يقلى كلمة فى الاعتصام أذهلتنى من روعتها ومن براعة إلقائه وسياتى ذكرها ... وشعرت أننا كالجسد الواحد وأن الاخوة كانوا سيفعلون المثل لو حدث هذا معى ... وبدأت الدخول فى مرحلة اخرى .

***

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

حاتم





كان لهذا التوتر فى علاقتى بالإخوان عدة أسباب وهى :

عدم وضوح شمول المنهج الإخوانى - عدم معرفة بعض الأمرو التنظيمية الغامضة - كنت أشعر أن الإخوان أفضل مما يجب ... وكنت أتسائل كيف يتعامل هؤلاء الناس مع بعضم ومع غيرهم بهذا الشكل الرائع ولماذا ؟ - وكان من أهم الأسباب فى هذا التوتر هو مشاكل البيت الأسرية وأنه لا يوجد فى العائلة كلها أحد من الإخوان ... ولأننى بدأت أدرك عواقب كونى من الإخوان وأن هذا قد يؤدى إلى مشاكل أمنية أو دراسية وتحقيقات وفصل وقد يؤدى إلى مشاكل اسرية جديدة .
إنها بيعة ... واذا دخلت الإخوان لن تأخذ شيئا بل ستعطى فقط .... فماذا تفعل ؟؟؟

***

وهنا جائت مشيئة الله أن أتعرف على حاتم كمنوذج لم يترك لغيره حجة فى أى شئ ... بدأت آرى حاتم وهو يعمل فى الكلية بهمته العالية وتضحيته وتجرده وروحه المرحة الجميلة .

***

* عندما كان (حاتم ) فى السنة الثانية حدثت له مشكلة أمنية ... وعندما ذهب إلى مقر أمن الدولة ضرب ضربا شديدا وكانت ظروف بيته أصعب من ظروفى بمراحل ... وكان ظابط أمن الدولة يتصل بأبيه ويهدده وكان ضغط اهل (حاتم ) عليه شديدا وأرادوا منعه من النزول نهائيا وقطع المال عنه ... ولكن بعد كل هذا عاد (حاتم ) إلى الكلية يريد الدعوة والعمل فقال له الإخوة : ليس الآن يا حاتم ... انتظر اسبوعا حتى تهدأ هذه المشاكل على الأقل.... وقد كانوا يعتبرونه محبا فى هذا الوقت ... وانتظر (حاتم ) يومين فلم يحتمل وانطلق يدعوا فى الكلية مرة اخرى .

* أتعلمون عندما نذكر الرجل بصفاته الحسنة الجيدة فنقول مثلا هذا رجل كريم ... أما (حاتم ) فقد كان كريما كرما غير عادى وكانت شجاعته مختلفة عن أى أخ رأيته ... كانت تضحيته مبالغة ... كان أكثر الإخوة ضحكا ( رغم كل مشاكله ) وحبا لهم ... كان أكثر من يبيع نفسه فى أى عمل ينطوى على خطورة واضحة ( يعنى كل الصفات الكويسة عند حاتم مأفورة ) .

* رأيت (حاتم ) بنفسى يصعد على حائط المدرج ليقوم بتعليق ( بنر ) كامل وحده ... فيأخذ أول حبل فيصعد به ويربطه ثم ينزل فيأخذ الحبل الآخر على نفس المستوى ويصعد فيربطه وينزل وهكذا ست مرات متتالية صعودا وست مرات نزولا ... وكان هذا لعدم وجود اخوة يساعدوه ... وكان (حاتم ) لا يأمر أحدا ... بل كان يتحرك بنفسه على الفور فيتحرك الإخوة لحركته غيرة وحماسة .

* فى أحد الأيام جاء (حاتم ) ببدلته وفى قمة الأناقة لحضور حفلة تكريم المتفوقين التى يقيمها طلاب الإخوان فى المدرج .. وبعد الحفلة رأى الإخوة وقد تكاسلوا عن الصعود لإنزال ( البنر ) فغلع سترته وصعد بملابسه على المبنى وانزله ثم أقام الإخوة الصلاة فى الساحة فصلى على الأرض .

* نام (حاتم ) فوق سطح مسجد الكلية فى أحد الأيام بسبب مشاكل البيت ولأنه كان لا يجد مكانا يبيت به فبات على سطح المسجد والعجيب أنك تراه بعدها يضحك مع الاخوة ويعمل بهمة ونشاط بل ويكون اول من يأتى فى موعده .

* كان يخاف على العمل الدعوى خوفا رهيبا وكان يتصرف فى كل المواقف مهما كانت ... فإذا عملت مع (حاتم ) وأسندت له عملا فلا تقلق على الإطلاق ... إنه سيبذل قصارى جهده وسينفذ العمل فى النهاية مهما قابلته مشاكل أو عقبات .

* اذكر ذات مرة أن انقطعت الكهرباء عن الصوتيات التى كنا نقيم بها أحد الحفلات أو المؤتمرات فكان المفترض أن يذهب أخ ليفصل الكهرباء حتى يصل (حاتم ) السلك بطرفه المقطوع ... ولكن (حاتم ) لم ينتظر .. بل أمسك بالسلك العارى وظل يربطه بالآخر وهو يتكهرب فى كل لمسة له حتى وصله ... أنا حقا لا أتخيل أحدا يفعل هذا الموقف ... يتحمل آلم الكهرباء تسرى فى جسده حتى لا يتأخر العمل ؟؟

* كانت بنية (حاتم ) الجسدية ولياقته البدنية قوية للغاية ... واخبرنى أحد الاخوة القدامى أن الإخوة تجمعوا على حاتم فى أحد الرحلات يريدون أن يسقطوه فقط فما استطاعوا .

* كان شديدا جدا على الأمن فى كل المظاهرات لدرجة أن الإخوة كانوا يمنعوه عن اللجنة الرياضية لأنه كان إذا تملكه الغضب لا يهدأ بسهولة .

* ( خدنى فى يوم كده وقالى تعالى أعزمك على الفطار واول ما كان يروح الكافتيريا ... الراجل بتاع الكاشير يسيب كل الزحمة اللى حواليه ويقفل الدرج ويقوم يسلم على حاتم ويحضنه ... وبعد ما عزمنى عالفطار وقعد ينصحنى راح استلف فلوس من أخ من دفعته عشان يروح . وكان لما يلاقينى صايم يجيب اى أكل وعصير ويقولى تفطر على ده ( وطبعا مفيش تفاهم مع حاتم ... انسى ) ).

* ( (حاتم ) يا إخوانى كان يعرف كل الناس فى الجامعة ... كان يعرف عمال المدرجات وكل الطلبة فى مدرجه وخارجه وبأعداد لا تحصى وكان يعرف حرس الجامعة على كل الأبواب والمبانى وعمال المساجد وكانوا بيحبوه حب غريب فعلا ... ابص الاقى العامل هو اللى قابم يسلم على (حاتم ) ويحضنه مهما كان مشغول وكان أفضل مثل فى العمل مع المجتمع ) .

* ( وانا فى سنة تانية ... كنت رايح اشترى شاى انا وكام اخ من كافتيريا فى الجامعة ... وكنت حاطط ال (ID ) ومكتوب عليه طلاب الإخوان المسلمين ... الراجل بياخد البون منى وشافه ... قالى : كابتن ... هو (حاتم فين ) ؟؟؟ لسة معاكوا ؟؟؟ قلتله : لا والله (حاتم ) اتخرج خلاص الحمد لله . قالى : طب بالله عليك لو شفته سلملى عليه أوى . ( كان هيغمى عليا بصراحة ))

***

فلما عرفت أغلب هذه الأشياء عن (حاتم ) ولما رأيته بهذا الشكل بدأت اتعرف عليه واحكى له ... وكان أكثر الإخوة إهتماما بى وإحتواءا لى على الرغم أنه يعمل فى الأساس فى ( العمل العام ) وليس فى مجموعة العمل ... وكنت أظن أنه كان يفعل هذا معى فقط ولكنى فوجئت بعد تخرجه أنه فعل هذا مع إخوة كثيرة من دفعتنا .

* كان (حاتم ) يعمل كل شئ فى الكلية ويتعلم كل الأعمال بنفسه ولكنه كان لا يجيد تلاوة القرآن وعندما يدخل المدرج يلقى كلمة بعد قراءة أحد الإخوة للقرآن ... وبعد أن تخرج كان قد تعلم التجويد بل وأصبح إماما لمسجد فى بلدته .

قلت لنفسى : ليس لك عذر يا ووشو ... هذا الرجل فاق الحدود ولم يترك لك ولمن بعدك حجة ...

وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب : ( أتعبت من بعدك يا أبا بكر ) ...

فأنى لى بأعمال (حاتم ) هذه !!!... بل أنى لى بطاقته وهمته !!! ... ولكننى قررت ان أسير فى دربه واحاول أن أضحى مثله وأن أقهر العقبات مهما كانت صعوبتها وشدتها .

وقلت لنفسى : حقا ... إذا استسلم كل منا لظروف بيته وضغط الأمن وأى سبب آخر فمن يقوم بهذا الأمر غيرنا ؟؟؟

وكما قال سيف الدين قطز للأمراء المماليك : من للإسلام إن لم نكن نحن .... وكان التتار على أبواب مصر ... فبكى الناس وبايعوه على الجهاد فكان نصر الله عز وجل .

***

وأدركت وقتها أن الدعوة ليست بالقول فقط ... بل أهم شئ فى الدعوة هو العمل فلقد ظللت سنتين مترددا وبعد أقل من شهر من تعرفى على (حاتم ) انقطع التردد فحقا : عمل رجل فى ألف رجل خير من قول ألف رجل فى رجل .